الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.حروب الصفرية وشبيب مع الحجاج. ثم خرج صالح بن مسرح التميمي من بني امرئ القيس بن زيد مناة وكان يرى رأي الصغرية وكان عابدا ومسكنه أرض الموصل والجزيرة وله أصحاب يقرئهم القرآن والفقه وكان يأتي الكوفة ويلقى أصحابه ويعد ما يحتاج إليه فطلبه الحجاج فترك الكوفة وجاء إلى أصحابه بالموصل ودار فدعاهم إلى الخروج وحثه عليه وجاءه كتاب شيب بن يزيد بن نعيم الشيباني من رؤوسهم يحثه على مثل ذلك فكتب إليه إني في انتظارك فاقدم فقدم شبيب في نفر من أصحابه منهم أخوه المضاد والمحلل ابن وائل اليشكري ولقيه بدارا وأجمع صالح الخروج وبث إلى أصحابه وخرجوا في صفر سنة ست وسبعين وأمر بالدعاء قبل القتال وخير في الداء والأموال وعرضت لهم دواب لمحمد بن مروان بالجزيرة فأخذوها وحملوا عليها أصحابهم وبلغ محمد بن مروان وهو أمير الجزيرة خروجهم فسرح إليهم عدي بن عدي الكندي في ألف فسار من حران وكان ناسكا فكره حروبهم وبعث إليهم بالخروج فحبسوا الرسول فساروا إليه فطلعوا عليه وهو يصلي الضحى وشيب في الميمنة وسويد بن سليم في الميسرة وركب عدي على غير تعبية فانهزم واحتوى الخوارج على معسكره ومضوا إلى آمد وسرح محمد بن مروان خالد بن حر السلمي في ألف وخمسمائه والحرث بن جعونة العامري في مثلها وقال: أيكما سبق فهو أمير على صاحبه وبعث صالح شبيبا إلى الحرث وتوجه نحو خالد وقاتلوهم أشد القتال واعتصم أصحاب محمد بخندقهم فسارت الخوارج عنهم وقطعوا أرض الجزيرة والموصل إلى الدسكرة فسرح إليهم الحجاج الحرث بن عميرة ابن ذي الشعار في ثلاثة آلاف من أهل الكوفة فلقيهم على تخم ما بين الموصل وصرصر والخوارج في تسعين رجلا فانهزم سويد بن سليم وقتل صالح وصرع شبيب ثم وقف على صالح قتيلا فنادى بالمسلمين فلاذوا به ودخلوا حصنا هنالك وهم سبعون وعاث الحرث بهم وأحرق عليهم الباب ورجع يصحبهم من الغداة فقال لهم شبيب بايعوا من شئتم من أصحابكم واخرجوا بنا إليهم فبايعوه وأطفئوا النار بالماء في اللبود وخرجوا إليه فبيتوا وصرح الحرث فحملوا أصحابه وانهزموا نحو المدائن وحوى شبيب عسكرهم وسار شبيب إلى أرض الموصل فلقي سلامة بن سنان التميمي من تميم شيبان إلا أخاه فضالة من أكابر الخوارج وكان خرج قبل صالح في ثمانية عشر رجلا ونزل على ماء لبني عنزة فقتلوهم وأتوا برؤوسهم إلى عبد الملك يتقربون له بهم فلما دعا شبيب سلامة إلى الخروج شرط عليه أن ينتخب ثلاثين فارسا ويسير بهم إلى عنزة فيثأر منهم بأخيه فقبل شرطه وسار إلى عنزة فأثخن فيهم وجعل يقتل الحلة بعد الحلة ثم أقبل شبيب إلى داران في نحو سبعين رجلا ففرت منهم طائفة من بني شيبان نحو ثلاثة آلاف فنزلوا ديرا خرابا وامتنعوا منه وسار في بعض حاجاته واستخلف أخاه مضاد بن يزيد بجماعة من بني شيبان في أموالهم مقيمين فقتل منهم ثلاثين شيخا فيهم حوثرة بن أسد وأشرف بنو شيبان على مضاد وأصحابه وسألوا الأمان ليخرجوا إليهم ويسمعوا دعوتهم فأخرجوا وقبلوا ونزلوا إليهم واجتمعوا بهم وجاء شبيب فاستصوب فعلهم وسار بطائفة نحو أذربيجان وكان الحجاج قد بعث سفيان بن أبي العالية الخثعمي إلى طبرستان يحاصرها في ألف فارس فكتب إليه الحجاج أن يرجع فصالح أهل طبرستان ورجع فأقام بالدسكرة يطلب المدد وبعث الحجاج أيضا إلى الحرث بن عميرة الهمداني قاتل صالح أن يأتيه بجيش الكوفة والمدائن وإلى سورة ابن أبجر التميمي في خيل المناظر ويعجل سفيان في طلب شبيب فلحقه بخانقين فاستطردهم وأكمن كمينا لهم مع أخيه واتبعوه في سفح الجبل فخرج عليهم الكمين فانهزموا بغير قتال وثبت سفيان وقاتل ثم حمل شبيب فانكشف ونجا إلى بابل مهرود وكتب إلى الحجاج بالخبر وبوصول العساكر إلا سورة بن أبجر فكتب الحجاج إلى سورة يتهدده ويأمره أن يتخذ من المدائن خمسمائة فارس ويسير إلى شبيب فسار وانتهى شبيب إلى المدائن ثم إلى الهندوان فترحم على أصحابه هنالك وبيتهم سورة هنالك وهم حذرون فلم يصب منهم الغرة ورجع نحو المدائن وشبيب في لتباعه وخرج ابن أبي العصغي عامل المدائن فقاتلهم وهرب الكثير من جنده إلى الكوفة ومضى شبيب إلى تكريت ووصل سورة إلى الكوفة بالغل فحبسه الحجاج ثم أطلقه وسرح عثمان بن سعيد شرحيل الكندي ويلقب الجزل في أربعة آلاف ليس فيهم من المنهزمين أحد وساروا لحرب شبيب وأصحابه وقدم بين يديه عياض بن أبي لبنة الكندي وجعلوا يتبعون شبيبا من رستاق إلى رستاق وهو على غير التعبية والجزل على التعبية ويخندق على نفسه متى نزل وطال ذلك شبيب وكان في مائة وستين فقسمه على أربع فرق وثبت الجزل ومشايخه فلم يصب منهم فرجع عنهم ثم صحبهم ثانية فلم يظفر منهم بشيء وسار الجزل في التعبية كما كان وشبيب يسير في أرض الخوارج وغيرها يكسب الخراج وكتب الحجاج إلى الجزل ينكر عليه البطء ويأمره بالمناهضة وبعث سعيد بن المجالدي على جيش الجزل فجاءهم بالهندوان ووبخهم وعجزهم وجاءهم الخبر بأن شبيبا قد دخل قطيطيا والدهقان يصلح لهم الغداء فنهض سعيد في الناس وترك الجزل مع العسكر وقد صف بهم خارج الخندق وجاء سعيد إلى قطيطيا وعلم به شبيب فأكل وتوضأ وصلى وخرج فحمل على سعيد وأصحابه مستعرضا فانهزموا وثبت سعيد فقتله وسار في اتباعهم إلى الجزل فقاتلهم الجزل حتى وقع بين القتلى جريحا وكتب إلى الحجاج بالخبر وأقام بالمدائن وانتهى شبيب إلى الكرخ وعبر دجلة إليه وأرسل إلى سوق بغداد فأتاهم في يوم سوقهم واشترى منه حاجاته وسار إلى الكوفة فلما قرب بعث الحجاج سويد بن عبد الرحمن السعدي في ألفي رجل فساروا إلى شبيب وأمر عثمان بن قطن فعسكر في السبخة وخالفه شبيب إلى أهل السبخة فقاتلوه وجاء سويد في آثاره فمضى نحو الحيرة وسويد في إتباعه ثم رحل من الحيرة وجاء كتاب الحجاج إلى سويد يأمره باتباعه فمضى في إتيانه وشبيب يغير في طريقه وأخذ على القطقطاتة ثم قصر بني مقاتل ثم على الأنبار ثم ارتفع على أدنى أذربيجان ولما أبعد سار الحجاج إلى البصرة واستعمل على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة فجاءه كتاب دهقان بابل مهرود يخبره بقصد شبيب الكوفة فبعث بالكتاب إلى الحجاج وأقبل شبيب حتى نزل عقرقوبا ونزل وسار منها يسابق الحجاج إلى الكوفة وطوى الحجاج المنازل فوصل الكوفة عند العصر ووصل شبيب عند المغرب فأراح وطمعوا ثم ركبوا ودخلوا إلى السوق وضرب شبيب القصر بعموده ثم اقتحموا المسجد الأعظم فقتلوا فيه من الصالحين ومروا بدار صاحب الشرطة فدعوه إلى الأمير ونكرهم فقتلوا غلامه ومروا بمسجد بني ذهل فقتلوا ذهل بن الحرث وكان يطيل الصلاة فيه ثم خرجوا من الكوفة واستقبلهم النضر بن القعقاع بن شور الذهلي وكان ممن أقبل مع الحجاج من البصرة فتخلف عنه فلما رآه قال: السلام عليك أيها الأمير فقال له شبيب: قل أمير المؤمنين ويلك! فقالها وأراد شبيب أن يلقنه للقرابة بينهما وكان النضر ناحية بيت هانئ بن قبيصة الشيباني فقال له: يا نضر لا حكم إلالله ففطن بهم وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون وشد عليه أصحاب شبيب فقتلوه ونادى منادي الحجاج بالكوفة يا خيل الله اركبي وهو بباب القصر وكان أول من أتاه عثمان بن قطن ابن عبد الله بن الحسين ذي القصة ثم جاء الناس من كل جانب فبعث الحجاج خالد بن الأسدي وزائدة بن قدامة الثقفي وأبا الضريس مولى بني تميم وعبد الأعلى بن عبد الله بن عامر وزياد بن عبد الله العتكي في ألفين ألفين وقال: إن كان حرب فأميركم زائدة بن قدامة وبعث معهم محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله من سجستان وكان عبد الملك قد ولاه عليها وأمر الحجاج أن يجهزه ويبعثه في آلاف من الجنود إلى عمله فجهزه وحدث أمر شبيب فقال له الحجاج: تجاهد ويظهر إسمك ثم تقضي إلى عمالك فساروا جميعا ونزلوا أسفل الفرات وأخذ شبيب نحو القادسية وجرد الحجاج ألفا وثمانمائة من نقاوة الجند مع ذخر بن قيس وأمره بمواقعة شبيب أينما أدركه وإن ذهب فاتركه فأدركه بالسلخين وعطف عليه شبيب فقاتل ذخر حتى صرع وفيه بضعة عشر جرحا وانهزم أصحابه يظنون أنه قتل ثم أفاق من برد السحر فدخل قرية وسار إلى الكوفة ثم قصد شبيب وأعوانه وهم على أربعة وعشرين فرسخا من الكوفة فقال: إن هزمناهم فليس دون الحجاج والكوفة مانع وانتهى إليهم وقد تعبوا للحرب وعلى الميمنة زياد بن عمر العتكي وعلى الميسرة بشر بن غالب الأسدي وكل أمير بمكانه وعبى شبيب أصحابه ثلاثة كتائب فحمل سويد بن سليم على زياد بن عمر فانكشفوا وثبت زياد قليلا ثم حمل الثانية فانهزموا وانهزم جريحا عند المساء ثم حملوا على عبد الأعلى ابن عبد الله بن عامر فانهزم ولم يقاتل ولحق بزياد بن عمر وحملت الخوارج حتى انتهت إلى محمد بن موسى بن طلحة عند الغروب فقاتلوه وصبر لهم ثم حمل مضاد أخو شبيب على بشر بن غالب في الميسرة فصبر ونزل في خمسين رجلا فقاتلوه حتى قتلوا وحملت الخوارج على أبي الضريس مولى بني تميم فهزموه حتى انتهى إلى أعين ثم حملوا عليه وعلى أعين فهزموهما إلى زائدة بن قدامة فلما انتهوا إليه نادى نزال وقاتلهم إلى السحر ثم حمل شبيب عليه فقتله وقتل أصحابه ودخل أبو الضريس مع الفل إلى الجوسق بإزائهم ورفع الخوارج عنهم السيف ودعوهم إلى البيعة لشبيب عند الفجر فبايعوه وكان فيمن بايعه أبو بردة وبقي محمد بن موسى لم ينهزم فلما طلع الفجر سمع شبيب أذانهم وعلم مكانهم فأذن وصلى ثم حمل عليهم فانهزمت طائفة منهم وثبتت أخرى وقاتل محمد حتى قتل وأخذ الخوارج ما في العسكر وانهزم الذين بايعوا شبيبا فلم يبق منهم أحد وجاء شبيب إلى الجوسق الذي فيه أعين وأبو الضريس فتحصنوا منه فأقام يوما عليهم وسار عنهم وأراده أصحابه على الكوفة وإزاءهم خوخى فتركها وخرج على نفر وسمع الحجاج بذلك فظن أنه يريد المدائن وهي باب الكوفة وأكثر السواد لها فهاله ذلك وبعث عثمان بن قطن أميرا على المدائن وخوخى والأنبار وعزل عنها عبد الله بن أبي عصيفير وقيل في مقتل محمد بن موسى غير هذا وهو أنه كان شهد مع عمر بن عبد الله بن معمر قتال أبي فديك فزوجه عمر ابنته وكانت أخته تحت عبد الملك فولاه سجستان فمر بالكوفة وقيل للحجاج إن جاء إلى هذا أحد ممن تطلبه منعك منه فمره بقتال شبيب في طريقه لعل الله يريحك منه ففعل الحجاج وعدل محمد إلى قتال شبيب وبعث إليه شبيب بدهاء الحجاج وخديعته إياه وأن يعدل عنه فأبى إلا شبيبا فبارزه وقتله شبيب ولما انهزم الأمراء وقتل موسى بن محمد طلحة دعا الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث وأمره أن ينتخب ستة آلاف فارس ويسير في طلب شبيب أين كان فسار لذلك ثم كتب إليه وإلى أصحابه يتهددهم إن انهزموا ومر ابن الأشعث بالمدائن وعاد الجزل من جراحته فوصاه وحذره وحمله على فرسه وكانت لا تجارى وسار شبيب على دقوقا وشهرزور وابن الأشعث في إتباعه إلى أن وقف على أرض الموصل وأقام يقاتله أهلها فكتب إليه الحجاج: أما بعد فاطلب شبيبا وأسلك في أثره أين سلك حتى تدركه فاقتله أو تنفيه فإنما السلطان أمير المؤمنين والجند جنده فجعل ابن الأشعث يتبعه وشبيب يقصد به الأرض الخشنة الغليظة وإذا دنا منه رجع يبيته فيجده على حذرة حتى أتعب الجيش وأحفى دوابهم بطن أرض الموصل ليس بينه وبين سواد إلا نهر حولايا في دادان الأعلى من أرض خوخى ونزل عبد الرحمن في عواقيل النهر وكانت أيام النحر وطلب شبيب الموادعة فيها فأجابه قصدا للمطاولة وكتب عثمان بن قطن بذلك إلى الحجاج فنكر وبعث إلى عثمان بن قطن بإمارة العسكر وأمره بالمسير وعزل عبد الرحمن بن الأشعث وبعث على المدائن مطرف بن المغيرة مكان ابن قطن وقدم ابن قطن على عسكر الكوفة عشية يوم التروية وناداهم إلى الحرب فاستمهلوه وأنزله عبد الرحمن بن الأشعث وأصبحوا إلى القتال ثالث يومهم على تعبية وفي الميمنة خالد بن نهيك بن قيس وفي الميسرة عقيل بن شداد السلولي وابن قطن في الرجالة وعبر إليهم شبيب في مائة وثلاثين رجلا فوقف في الميمنة وأخوه مضاد في القلب وسويد بن سليم في الميسرة وحمل شبيب على ميسرة عثمان بن قطن فانهزموا ونزل عقيل بن شداد فقاتل حتى قتل وقتل معه مالك بن عبد الله الهمداني وحمل سويد على ميمنة عثمان فهزمها وقاتل خالد بن نهيك فجاء شبيب من ورائه فقتله وتقدم عثمان إلى مضاد في القلب فاشتد القتال وحمل شبيب من وراء عثمان وعطف عليهم سويد بن سليم ومضاد من القلب حتى أحاطوا به فقتلوه وانهزمت العساكر ووقع عبد الرحمن بن الأشعث فأتاه ابن أبي شثبة الجعفي وهو على بغلة فأردفه ونادى في الناس باللحاق بدير أبي مريم ورفع شبيب السيف عن الناس ودعاهم إلى البيعة فيايعوه ولحق ابن الأشعث بالكوفة فاختفى حتى أمنه الحجاج ومضى شبيب إلى ماه نهرادان فأقام فيه فصل الصيف فلحق به من كان للحجاج عليه تبعه ثم أقبل إلى المدائن في ثمانمائة رجل وعليها مطرف بن المغيرة وبلغ الخبر إلى الحجاج فقام في الناس وتسخط وتوعد فقال زهرة بن حوية وهو شيخ كبير لا يستطيع القيام إلا معتمدا: أنت تبعث الناس متقطعين فيصبون منهم فاستنفر الناس جميعا وابعث عليهم رجلا شجاعا مجريا يرى الفرار عارا والصبر مجدا وكرما فقال الحجاج: أنت ذلك الرجل! فقال: إنما يصلح من يحمل الدرع والرمح ويهز السيف ويثبت على الفرس ولا أطيق من هذا شيئا وقد ضعف بصري ولكن أكون مع أمير وأشير عليه فقال له: جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله أول أمرك وآخره ثم قال للناس: سيروا فتجهزوا بأجمعكم فتجهزوا وكتب الحجاج إلى عبد الملك بأن شبيبا شارف المدائن يريد الكوفة وهم عاجزون عن قتاله بما هزم جندهم وقتل أمراءهم ويستمده من جند الشام فبعث إليه عبد الملك سفيان بن الأبرد الكلبي في أربعة آلاف وحبيب بن عبد الرحمن الحكمي في ألفين وذلك سنة ست وسبعين وكتب الحجاج إلى عتاب بن الرياحي يستقدمه من عند المهلب وقد وقع بينهما كما مر فقدم عتاب وولاه على الجيش فشكر زهرة بن حوية له وقال: رميتهم بحجرهم والله لا يرجع إليك حتى يظفر أو يقتل وبعث الحجاج إلى جند الشام يحذرهم البيات ويوصيهم الإحتياط وأن يأتوا على عين التمر وعسكر عتاب بجماع أعين ثم قطع شبيب دجلة إلى المدائن وبعث إليه مطرف أن يأتيه رجال من وجوههم ينظر في دعوتهم فرجا منه وبعث إليه بغيث بن سويد في جماعة مكثوا عنده أربعا ولم يرجعوا من مطرف بشيء ونزل عتاب الصراة وخرج مطرف إلى الجبال خوفا أن يصل خبره مع شبيب إلى الحجاج فخلا لهم الجو وجاء مضاد إلى المدائن فعقد الجسر ونزل عتاب سوق حكم في خمسين ألفا وسار شبيب بأصحابه في ألف رجل فصلى الظهر بساباط وأشرف على عسكر عتاب عند المغرب وقد تخلف عنه أربعمائة من أصحابه فصلى المغرب وعبى أصحابه ستمائة سويد بن سليم في مائتين في الميسرة والمحلل بن وائل في مائتين في الميمنة وهو في مائتين في القلب وكان على ميمنة عتاب محمد بن عبد الرحمن بن سعيد وعلى ميسرته نعيم بن عليم وعلى الرجالة حنظلة بن الحرث اليربوعي وهو ابن عمه وهم ثلاثة صفوف بين السيوف والرماح والرماة ثم حرض الناس طويلا وجلس في القلب ومعه زهرة بن مرتد وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وأبو بكر بن محمد بن أبي جهم العدوي وأقبل شبيب حين أضاء القمر بين العشاءين فحمل على الميسرة وفيها ربيعة فانقضوا وثبت قبيصة بن والق وعبيد بن الحليس ونعيم بن عل رايتهم حتى قتلوا ثم حمل شبيب على عتاب بن ورقاء وحمل سويد بن سليم على محمد بن سليم في الميمنة في تميم وهمدان واشتد القتال وخالط شبيب القلب وانفضوا وتركوا عتابا وفر ابن الأشعث في ناس كثيرين وقتل عتاب بن ورقاء وركب زهرة بن حوية فقاتل ساعة ثم طعنه عامر بن عمر الثعلبي من الخوارج ووطأته الخيل فقتله الفضل بن عامر الشيباني منهم ووقف عليه شبيب وتوجع له ونكر الخوارج ذلك وقالوا: أتتوجع لرجل كافر؟ فقال: أعرف قديمه ثم رفع السيف عن الناس ودعا للبيعة فبايعوه وهربوا تحت ليلهم وحوى ما في العسكر وأتاه أخوه من المدائن وأقام يومين ثم سار نحو الكوفة ولحق سفيان بن الأبرد وعسكر الشام بالحجاج فاستغنى بهم عن أهل الكوفة واشتد بهم وخطب فوبخ أهل الكوفة وعجزهم وجاء شبيب فنزل حمام أعين فسرح الحجاج إليه الحرث بن معاوية الثقفي في نحو ألف من الشرط لم يشهدوا يوم عتاب فبادر إليه شبيب فقتله وانهزم أصحابه إلى الكوفة وأخرج الحجاج مواليه فأخذوا بأفواه السكك وجاء شبيب فنزل السبخة ظاهر الكوفة وبنى بها مسجدا وسرح مولاه أبا الورد في غلمان لقتاله فحمل عليه شبيب وقتله يظنه الحجاج ثم أخرج إليه مولاه طهمان كذلك فقتله فركب الحجاج في أهل الشام وجعل سيرة بن عبد الرحمن بن مخنف على أفواه السكك وقعد على كرسيه ونادى في أهل الشام وحرضهم فغضوا الأبصار وجثوا على الركب وشرعوا الرماح وأقبل شبيب في ثلاثة كراديس معه ومع سويد بن سليم ومع المحلل بن وائل وحمل سويد وبيتوا وطاعنوه حتى انصرف وقدم الحجاج كرسيه وحمل المحلل ثانية فكذلك وقدم الحجاج كرسيه فثبتوا له وألحقوا بأصحابه وسرب شبيب سويد بن سليم إلى أهل السكك وكان عليها عروة بن المغيرة بن شعبة فلم يطق دفاعه ثم حمل شبيب فطاعنوه وردوه وانتهى الحجاج إلى مسجده وصعد وملك العرصة وقال له خالد ابن عتاب إئذن لي في قتالهم فإني موتور فأذن له فجاءهم من ورائهم وقتل أخا شبيب وغزالة إمرأته وخرق عسكرهم وحمل الحجاج عليهم فانهزموا وتخلف شبيب ردأ لهم فأمر الحجاج أصحابه بموادعتهم ودخل الكوفة فخطب وبشر الناس ثم سرح حبيب بن عبد الرحمن الحكمي في ثلاثة آلاف فارس لاتباعه وحذره بيانه فانتهى في أثره إلى الأنبار وقد افترق عن شبيب كثير من أصحابه للأمان الذي نادى الحجاج به فجاءه شبيب عند الغروب وقد قسم حبيب جنده أرباعا وتواصوا بالاستماتة فقاتلهم شبيب طائفة بعد فما زالت قدم إنسان عن موضعها إلى آخر الليل ثم نزل شبيب وأصحابه واشتد القتال وكثر القتلى وسقطت الأيدي وفقئت الأعين وقتل من أصحابه شبيب نحو ثلاثين ومن أهل الشام نحو مائة وأدركهم الإعياء والفشل جميعا فانصرف شبيب بأصحابه وقطع دجلة ومر في أرض خوخى ثم قطع دجلة أخرى عند واسط ومضى على الأهواز وفارس إلى كرمان ليريح بها وقد قيل في هذه الحرب غير هذا وهو أن الحجاج بعث إليه أمراء واحدا بعد واحد فقتلهم وكان منهم أعين صاحب حمام أعين وكان غزالة إمرأة شبيب نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين بالبقرة وآل عمران فجاء شبيب ودخل الكوفة ليلا وأوفت بنذرها ثم قاتلهم الناس وخرجوا وقام الحجاج في الناس يستشيرهم وبرز إليه قتيبة وعذله في بعث الرعاع ينهزمون ويموت قائدهم والرأي أن تخرج بنفسك فتحالمه فخرج من الغد إلى السبخة وبها شبيب واختفى مكانه عن القوم ونصب أبا الورد مولاه تحت اللواء فحمل عليه شبيب فقتله ثم حمل على خالد بن عتاب في الميسرة ثم على مطرف بن ناجية في الميمنة فكشفهما ونزل عند ذلك الحجاج وأصحابه وجلس على عباءة ومعه عنبسة بن سعيد وبينما هم على ذلك إذ اختلف الخوارج وقال مصقلة بن مهلهل الضبي لشبيب: ما تقول في صالح بن مسرح؟ قال: برئت منه فبرئ مصقلة منه وفارقه وشعر الحجاج بإختلافهم فسرح خالد بن عتاب لقتالهم فقاتلهم في عسكرهم وقتل غزالة وبعث برأسها إلى الحجاج فأمر شبيب من اعترضه فقتل حامله وجاء به فغسله ودفنه وانصرف الخوارج وتبعهم خالد وقتل مضاد أخو شبيب ورجع خالد عنهم بعد أن أبلى وسار شبيب إلى كرمان وكتب الحجاج إلى عبد الملك يستمده فبعث إليه سفيان بن الأبرد الكلبي في العساكر فأنفق فيهم المال وسرحه بعد انصراف الخوارج بشهرين وكتب إلى عامل البصرة وهو الحكم بن أيوب زوج ابنته أن يبعثه بأربع آلاف فارس من جند البصرة إلى سفيان فبعثهم مع زياد بن عمر العتكي فلحقه - - - انقضاء الحرب وكان شبيب بعد أن استجم بكرمان أقبل راجعا فلقي سفيان بالأهواز فعبر إليه جسر دجيل وزحف في ثلاثة كراديس فقاتلهم أشد قتال وحملوا عليهم أكثر من ثلاثين حملة وسفيان وأهل الشام مستميتين يزحفون زحفا حتى اضطر الخوارج إلى الجسر فنزل شبيب في مائة من أصحابه وقاتل إلى المساء حتى إذا جاء الليل انصرف وجاء إلى الجسر فقدم أصحابه وهو على أثرهم فلما مر بالجسر اضطرب حجر تحت حافر فرسه وهو على حرف السفينة فسقط في الماء وغرق وهو يقول: وكان أمر الله مفعولا ذلك تقدير العزيز العليم وجاء صاحب الجسر إلى سفيان وهو يريد الإنصراف بأصحابه فقال: إن رجلا من الخوارج سقط فتنادوا بينهم غرق أمير المؤمنين ومروا وتركوا عسكرهم فكبر سفيان وأصحابه وركب إلى الجسر وبعث إلى عسكرهم فحوى ما فيه وكان كثير الخيرات ثم استخرجوا شبيبا من النهر ودفنوه.
|